سورة يونس - تفسير تفسير ابن عجيبة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يونس)


        


قلت: {كأن لم يلبثوا}: حال، أي: نحشرهم مشبهين بمن لم يلبث إلا ساعة. أو صفة ليوم، والعائد محذوف، أي: كأن لم يلبثوا قبله، أو لمصدر محذوف، أي: حشراً كأن لم يلبثوا قبله. وجملة: {يتعارفون}: حال أخرى مقدرة، أو بيان لقوله: {كأن لم يلبثوا}، أو لتعلق الظرف، والتقدير: يتعارفون يوم نحشرهم: {وإما}: شرط، و{نرينك} فعله، {أو نتوفينك}: عطف عليه. {فإلينا} جواب {نتوفينك}، وجواب الأول محذوف، أي: إن أريتك بعض عذابهم في الدنيا فذاك، وإن توفيناك قبل ذلك فإلينا مرجعهم.
يقول الحق جل جلاله: {و} اذكر {يومَ نحشُرهم} ونجمعهم للحساب، فتقصر عندهم مدة لبثهم في الدنيا وفي البرزخ، {كأن لمْ يلبثوا إلا ساعةً من النهار} يستقصرون مدة لبثهم في الدنيا، أو في القبور؛ لهول ما يرون، حال كونهم {يتعارفون بينهم} أي: يعرف بعضهم بعضاً، كأن لم يتفارقوا إلا قليلاً، وهذا في أول حشرهم، ثم ينقطع التعارف؛ لشدة الأمر عليهم لقوله {وَلاَ يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً يُبَصَّرُونَهُمْ} [المعارج: 10]
{قد خَسِرَ الذين كذَّبُوا بلقاءِ الله} خسرانا لا ربح بعده {وما كانوا مهتدين} إلى طريق الربح أصلاً، أو إلى طريق توصلهم إلى معرفة الله ورضوانه، لترك استعمال ما منحوه من العقل فيما يوصل إلى الإيمان بالله ورسله، فاستكسبوا جهالات أدت بهم إلى الرّدى والعذاب الدائم.
{وإما نُرينّك} أي: مهما نبصرنك {بعضَ الذي نَعِدُهم} من العذاب في حياتك، كما أراه يوم بدر. {أو نتوفينَّك} قبل أن نريك {فإلينا مَرجِعُهم} فنريكه في الآخرة، {ثم اللهُ شهيدٌ على ما يفعلون}، فيجازيهم عليه حينئذٍ، فالترتيب إخباري.
وقال البيضاوي، تبعاً للزمخشري: ذكر الشهادة وأراد نتيجتها ومقتضاها، وهو العقاب، ولذلك رتبها على الرجوع بثم، أو مؤدِّ شهادته على أفعالهم يوم القيامة. اهـ.
{ولكل أُمة} من الأمم الماضية {رسولٌ} يبعثه إليهم، يدعوهم إلى الحق، {فإذا جاء رسولُهم} بالمعجزات فكذبوه {قُضِيَ بينهم بالقسط}: بالعدل، فأنجى الرسولَ ومن تبعه، وأهلك المكذبين {وهم لا يُظلمون}، حيث أعذر إليهم على ألسنة الرسل. وقيل معناه: لكل أمة يوم القيامة رسول تنسب إليه. كقوله: {يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} [الإسراء: 71] فإذا جاء رسلهم الموقفَ ليشهد عليهم بالكفر أو الإيمان {قضي بينهم} بإنجاء المؤمنين وعقاب الكافرين، كقوله {وَجِيءَ بالنبيين والشهدآء وَقُضِيَ بَيْنَهُم} [الزمر: 69].
{ويقولون متى هذا الوعد} الذي تعدنا، استبعاداً له واستهزاء به، {إن كنتم صادقين} فيه، وهو خطاب منهم للنبي صلى الله عليه وسلم.
الإشارة: أهل الغفلة إذا بعثوا أو ماتوا ندموا على ما فوّتوا، وقصر بين أعينهم ما عاشوا في البطالة والغفلة، كأن لم يلبثوا في الدنيا إلا ساعة من نهار. فالبدار البدار أيها الغافل إلى التوبة واليقظة، قبل أن تسقط إلى جنبك فتنفرد رهيناً بذنبك.
فأما أهل اليقظة وهم العارفون بالله فقد حصل لهم اللقاء، قبل يوم اللقاء، قد خسر الوصول من كذَّب بأهل الوصول، وما كان أبداً ليهتدي إلى الوصول إلا بصحبة أهل الوصول. وإما نرينك أيها العارف بعض الذي نعدهم من الوصول لمن تعلق بك، أو نتوفينك قبل ذلك، فإلينا مرجعهم فنوصلهم بعدك بواسطة أو بغيرها. ولكل أمة رسول يبعثه الله يُذكر الناس ويدعوهم إلى الله، فإذا جاء رسولهم قُضي بينهم بالقسط، فيوصل من تبعه ويبعد من انتكبه. والله تعالى أعلم بأسرار كتابه.


قلت: قدَّم في الأعراف النفع، وهنا الضر؛ لأن السؤال في الأعراف عن مطلق الساعة المشتملة على النفع والضر، وهنا السؤال عن العقاب الذي وعدهم به، بدليل قوله: {قل أرأيتم أتاكم عذابه}. وقوله: {إلا ما شاء الله} منقطع، ويصح الاتصال، وقوله: {ماذا يستعجل منه المجرمون} وضع المظهر موضع المضمر، أي: ماذا تستعجلون منه؟.. والجملة الاستفهامية جواب الشرط، كما يقال: إن أتيتك ماذا تعطيني؟، أو محذوف، أي: إن أتاكم ألكم منه منعة أو به طاقة فماذا تستعجلون منه؟
وقال الواحدي: الاستفهام للتهويل والتفظيع، أي: ما أعظم ما تستعجلون منه، كما تقول: أعلمت ماذا تجْني على نفسك؟. {أثم إذا ما وقع}، دخلت همزة التقرير على ثم العاطفة، أي: إن استعجلتم ثم وقع بكم العذاب آمنتم به حين لا ينفعكم.
يقول الحق جل جلاله: {قل} لهم: {لا أملكُ لنفسي ضراً ولا نفعاً}، فكيف أملك لكم ما تستعجلون من طلب العذاب؟ {إلا ما شاءَ اللهُ}: لكن ما شاء الله من ذلك يكون، أو: لا أملك إلا ما ملكني ربي بمشيئته وقدرته، {لكلِّ أمةٍ أجلٌ} مضروب إلى هلاكهم، {إذا جاء أجَلُهُمْ فلا يستأخرون} عنه {ساعةً}، {ولا} هم {يستقدمون} عنه فلا تستعجلوا، فسيحين وقتكم وينجز وعدكم، {قل أرأيتم إن أتاكم عذابُه} الذي تستعجلون {بياتاً} أي: وقت بيات واشتغال بالنوم، {أو نهاراً} حين يشتغلون بطلب معاشكم، {ماذا يستعجل منه المجرمون}؟ أيّ: شيء من العذاب يستعجلونه وكله مكروه لا يلائم الاستعجال؟ وهو متعلق بأرأيتم، لأنه في معنى أخبروني، و{المجرمون}، وضع موضع المضمر؛ للدلالة على أنهم لجرمهم ينبغي أن يفزعوا من مجيء العذاب، لا أن يستعجلوه. قاله البيضاوي.
{أثم إذا ما وقع آمنتم به} أي: أثم تؤمنون إذا وقع العذاب وعاينتموه، حين لا ينفعكم إيمانكم، {الآن} أي: فيقال لكم الآن آمنتم حين فات وقته، {وقد كنتم به تستعجلون} تكذيباً واستهزاء، {ثم قيل للذين ظلموا} بعد هلاكهم: {ذُوقُوا عذابَ الخُلد} أي: العذاب المؤلم الذي تخلدون فيه، {هل تُجْزَوْنَ إلا ما كنتم تكسِبُون} من الكفر والمعاصي.
الإشارة: لا يشترط في الولي أن يكاشف بالأمور المغيبة حتى يحترز من المكاره أو يجلب المنافع، إذ لم يكن ذلك للنبي، فكيف يكون للولي؟ بل هو معرض للمقادير الجارية على الناس، يجري عليه ما يجري عليهم، نَعْم.. باطنه محفوظ من السخط أو القنط، يتلقى كل ما يلقى إليه بالرضا والتسليم. فمن شرط ذلك فيه فهو محروم من بركة أولياء زمانه. والله تعالى أعلم.


قلت: {أحق}: مبتدأ، والضمير فاعله سد مسد الخبر، و{إي}: حرف جواب، بمعنى نعم، وهو من لوازم القسم، لذلك يوصل بواوه، فيقال: إي والله، ولا يقال إي وحُده.
يقول الحق جل جلاله: {ويستنبئونَكَ} أي: يستخبرونك {أحقٌ هُو} أي: ما تقول من الوعد أو ادعاء النبوة، قيل: قاله حيي بن أخطب لما قدم مكة. {قل} لهم: {إي وربي إنه لحقٌّ} أي: العذاب الموعود لحق، أو ما ادعيته من النبوة لثابت، والأول أرجح لقوله: {وما أنتم بمعجزين}: بفائتين العذاب الموعد.
{ولو أنَّ لكلِّ نفسٍ ظلمتْ} بالشرك أو التعدي على الغير {ما في الأرض} من خزائنها وأموالها {لافتدتْ به}: لجعلته فدية لها من العذاب، {وأسرُّوا الندامة} أي: أخفى رؤساء هؤلاء الكفار الندامة خوف الشماتة والتعيير من سفلتهم، {لمَّا رأوا العذاب}، أو جميعهم، لأنهم بهتوا بما عاينوا، مما لم يحتسبوا من فظاعة الأمر وهوله، فلم يقدروا أن ينطقوا، وقيل: أظهروها، من قولهم: أسر الشيء: أظهره، ومنه: أسارير الوجه، {وقُضِيَ بينهم بالقسط وهم لا يُظلمون}، ليس تكراراً؛ لأن الأول قضاء بين الأنبياء ومكذبيهم، والثاني في جزاء المشركين على شركهم. قاله البيضاوي.
الإشارة: كثير من الناس من يستخبر عن شيخ التربية، أحق وجوده أم لا؟ إي وربي إنه لحق، ولا يخلو منه زمان، إذ القطب والعدد الذي يقوم الوجود بهم لا ينقطع، والقطبانية لا تدرك من غير تربية أصلاً، وما أنتم بفائتين عنه إن طلبتموه بصدق الاضطرار. ولو أن لكم نفس ظلمت نفسها حيث بقيت بعيبها وغم حجابها حتى لقيت مولاها ما في الأرض جميعاً لافتدت به من البعد وغم الحجاب، وفوات القرب من الأحباب، وقد قضى بين الخلائق بالحق، فارتفع المقربون الذين لقوا الله بقلب سليم، وانحط الغافلون، الذين لقوا الله بقلب سقيم، وندموا على ترك صحبة من يخلصهم من عيبهم، فإن كانت لهم رئاسة علم أو صلاح أضمروا ذلك عمن قلدهم، {ولا يظلم ربك أحداً}.

4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11